أثار التقرير الصادر عن مجلس حقوق الإنسان الأخير عن "وضع حقوق الإنسان في اليمن" الذي أعده فريق الخبراء التابع للمجلس المذكور، ردود فعل متباينة متناقضة، تكشف استمرار الجدل الدائر منذ سنوات حول المجلس نفسه، وأدواره المُثيرة للريبة، في أقل ما يمكن أن يوصف به هذا الهيكل. وإذا رفضت دول التحالف المؤيد للشرعية في اليمن، التقرير، جزئياً، بسبب تحيزه المفضوح للحوثيين، حتى لكأن كل همّ التقرير وأصحابه هو تبييض ذقن الحوثي، في تقرير دولي جديد، على حساب الشرعية اليمنية والتحالف، وأوسع قطاع من الشعب اليمني نفسه، على حساب الوقائع والأحداث. والمُثير في هذا التقرير وما خلفه، الحماسة المذهلة التي قوبل بها من بعض الأطراف الدولية خاصة في أوروبا الغربية، على غرار بعض الجهات المعروفة بعدائها المطلق لحكومات المنطقة بشكل عام، وعلى رأسها اليسار الفرنسي والإعلام الموالي له، وفي المنطقة التشكيلات الإخوانية المختلفة، ومنبرها الأول قناة الجزيرة القطرية، الراعي الإعلامي التقليدي للإخوان، وبعض المؤسسات اللبنانية المعروفة برضاعتها من ثديي طهران وحزب الله لبن الإرهاب والتنظير له بدعوى المقاومة والوطنية والتحرر. وبعيداً عن هذا وذاك، وعن التجنيات الكثيرة التي حفل بها التقرير، الذي لم يتعرض ولو من بعيد لمسؤولية الميليشيا الحوثية عن انتهاك حقوق الإنسان، التي يُعاملها التقرير معاملة الند أو المعادل القانوني والشرعي والأخلاقي للدولة ولحكومتها الشرعية، فإن أبرز ما يُثير الانتباه في التقرير، الذي جاء بتوقيع "فريق الخبراء البارزين في مجال حقوق الإنسان" التحامل الواضح على "أحد" الصراع الدائر في اليمن كما جاء في التقرير، الذي قال عنه رئيس الفريق الذي وضعه، إنه يُركز فقط على الجانب الإنساني، ولا علاقة له بالجانب العسكري أو العمليات الدائرة على الأرض، لأنها ليست من اختصاصه أو من تكليفه. وبهذا الشكل يكشف التقرير وأصحابه منهجية العمل والهدف من التقرير نفسه، إدانة الطرف القوي في المعادلة العسكرية، لأن الفريق لا يُمكنه التعامل في تحقيقه مع هذا الجانب الحيوي في التعامل مع "حرب" نجمت عن "انقلاب" دعمته أطراف أجنبية وإقليمية، وذات مصلحة في اليمن وفي حصار دول الخليج الأخرى، باستثناء قطر، ونقل الصراع الجيو استراتيجي معها من ضفاف الخليج ومضيق هرمز، إلى شواطئ خليج عدن، والبحر الأحمر، مع ما لذلك من انعكاسات خطيرة اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وإنسانية أيضاً، لكنها تغيب عن فريق "الخبراء البارزين". خبراء بارزون! وبمناسبة الفريق البارز، لا يخلو الوصف والتكليف الصادر عن المفوض السابق لحقوق الإنسان، زيد بن الحسين، من توظيف وتوجيه إجرائي، ومنهجي، إذ يقتصر "الفريق" على ثلاثة أشخاص ليس أكثر، ما يجعل هذا الثالوث أقرب إلى لجنة العمل، منه إلى الفريق، خاصة أن التفويض الممنوح له لم يتضمن مثلاً تفويضاً بالسفر إلى اليمن للتقصي والمتابعة، والتأكد، إذ اكتفى الفريق، ومعه مجلس حقوق الإنسان، بعنوان إلكتروني خصصه "لدراسة الحالة اليمنية" وعلى المعنيين بالأمر إرسال ما لديهم من وثائق أو إثباتات وكفى الله المؤمنين شر القتال. ورغم أن هذه المنهجية لا تجعل من هذا الفريق مُحققاً ميدانياً قادراً على مُعالجة الأوضاع بطريقة أكثر مهنية واحترافاً، وبناء على شهادات ميدانية وعينية، موثقة وموثوقة، إلا الفريق والمفوض السابق أصرا على صفة "البارزين" لإضفاء شرعية إضافية على الفريق وعلى تقريره المنتظر، رغم أن دولاً أخرى مثل بورما، أو ميانمار، أو سوريا، أو الكونغو، ورواندا، لم تحظ بشرف تخصيص فريق من "الخبراء البارزين" رغم شهرة ومكانة العاملين في فرق التحقيق الخاصة بها مثل الحقوقي البرازيلي الشهير باولو سيرجيو بينهيرو، في لجنة تقصي الحقائق حول سوريا، وقبله المدعية العامة الشهيرة لدى المحكمة الجنائية السويسرية، كارلا ديل بونتي، الذين لم يشفع لهما لا صيتهما القانوني والحقوقي، والسياسي، للحصول على عضوية فريق خبراء بارز، مثل الذي تميز به الفريق الذي عُهد إليه بتحبير التقرير عن اليمن.. من مكاتبه في جنيف. وبمناسبة الفريق البارز، وأعضائه، وبالعودة إلى السيرة الذاتية لكل منهم، وهم التونسي كمال الجندوبي، والبريطاني تشارلز غازاواي، والأسترالية ميليسا باركي، تطرح أسئلة كثيرة أخرى، عن جدية هذا الفريق ومنهجية عمله. ويُصبح السؤال أكثر إلحاحاً، عن سبب تعيين التونسي الجندوبي مثلاً على رأس الفريق في ظل عضوية بريطاني قضى أكثر من 30 عاماً في التحقيقات والاستشارات القانونية، لفائدة الجيش والقوات المسلحة البريطانية، أي نصف عمر رئيس الفريق التونسي الجندوبي، الذي لم يكن نجماً حقوقياً أو سياسياً من الدرجة الاستثنائية ليكون على رأس هذا الفريق، في ظل عشرات المؤلفات والكتب والمحاضرات التي ألفها أو ألقاها البريطاني، الذي كان المستشار القانوني الأول للجيش البريطاني مثلاً أثناء مشاركة المملكة المتحدة، في حرب الخليج الأولى بقوة عسكرية بلغ تعدادها 36 ألف جندي، وتعلقت بها أثناء الحرب وبعدها، عشرات الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وانتهاك حقوق الإنسان، خاصةً في جنوب العراق، أثناء عمليات تحرير الكويت. ورغم أن هذا الماضي "العسكري" لا يشفع للخبير البريطاني أن يكون عضواً في تحقيق عن انتهاك حقوق الإنسان، بسبب الاختصاص من جهة، ولأسباب أخلاقية بديهية من جهة ثانية، إلا أن المجلس لم ينتبه لما يُمكن أن يُثيره تعيين شخص في هذا الفريق من نقاط استفهام. أما العضو الثاني في فريق الخبراء البارزين، فهو البرلمانية السابقة والسياسية الأسترالية ميليسا باركي، التي عملت بعض الوقت لدى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، ما يجعلها أقرب إلى المدعي الجنائي منه إلى المناضل الحقوقي، أو الخبيرفي الشؤون الإنسانية، أو القانون الإنساني بشكل عام. ولكن السياسية الأسترالية الليبرالية، معروفة في بلادها، بنشاطها منذ أكثر من 10 سنوات بتبنيها لـ"قضايا" حقوق الإنسان في بلادها، مثل استقبال اللاجئين الهاربين من دول جنوب شرق آسيا إلى أستراليا، من ميانمار، إلى لاوس، ومن فيتنام، إلى تايلند، انتهاءً بجزر سلمون، في المحيط الهادي. ولكن سبب شهرة السياسية الأسترالية في بلادها في الواقع تبنيها لملفات كبرى ثلاثة، الدفاع عن حقوق المثليين والمضطهدين بسبب ميولهم الجنسية أولاً، والدفاع عن الحيوانات الأهلية المصدرة إلى الدول الإسلامية وإلى دول الخليج بشكل خاص، وأخيراً المناداة بتحرير استهلاك المخدرات الخفيفة في أستراليا، لمكافحة تهريب المخدرات واستهلاكها، ويكفي في هذا السياق الرجوع إلى الصحف الأسترالية على امتداد سنوات طويلة، للوقوف على حقيقة دعواتها لمقاطعة شركات تصدير اللحوم والأغنام إلى دول الخليج، ليس في الإعلام وحده، ولكن من على منبر البرلمان الأسترالي نفسه، ويكفي لذلك مثلا الرجوع إلى كلمتها في البرلمان الأسترالي عن تصدير اللحوم إلى الخليج، بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الثاني) 2012، المنشور على موقع ذا كونفيرسايشن الأسترالي، أو كلمتها في البرلمان نفسه، في فبراير (شباط) ممثلةً عن جمعية العناية بالحيوانات الأسترالية، معهد حماية الحيوانات الأسترالية، التي نشرها المعهد على موقعه باسم "ذا فويس ليس"، ليثير ذلك في نفس الهيئة الدولية الاستشارية، مجلس حقوق الإنسان، ما يدفعه إلى التساؤل عن جدوى تعيين سيدة مماثلة في مثل هذه اللجنة، لتكون خصماً وحكماً في الوقت نفسه. الجندوبي ويسار الكافيار وإلى جانب البريطاني، والأسترالية، يُمثل كمال الجندوبي، رئيس الفريق، نموذجاً مثالياً لاختراق اليسار الثوري العربي سابقاً، المتحالف مع الإخوان لاحقاً، مدعوماً بيسار الكافيار في فرنسا، وفي بعض الدول الأوروبية ذات التقاليد اليسارية الاشتراكية الراسخة، مثل ألمانيا، والدول الاسكندينافية بشكل خاص، للمنظمات الدولية مدعوماً بماكنية دعائية وإعلامية هائلة، وشبكة تمويل وإحاطة ورعاية عابرة للدول والمؤسسات، ممثلة في التنظيم الدولي للإخوان، ومستفيدة من التطورات الكثيرة التي شهدتها أغلب الدول العربية منذ 2011. ويُمثل كمال الجندوبي حالة خاصةً ما يجعله نموذجاً لدراسة الجيل الجديد الذي ظهر في الدول العربية خاصةً بعد أحداث 2011. ً وفي هذا السياق تُصر وثائق مجلس حقوق الإنسان في جنيف، مثلاً على المعرفة العميقة لأعضاء الفريق بالمنطقة الخليجية والإقليم بشكل عام، الأمر المُثير للشك والريبة بالنظر إلى خلفية الثالوث المكون لفريق الخبراء. أما عن كمال الجندوبي، فتصر الوثائق نفسها على مسيرة الجندوبي في الدفاع عن حقوق الإنسان، في تونس والخارج، قبل سقوط نظام بن علي في 2011، وعن "نفيه 17 عاماً بسبب نشاطه السياسي والحقوقي". ويُثير التقديم المشار إليه الاستغراب لأكثر من سبب ودليل يُسفه ما جاء في وثائق مجلس حقوق الإنسان، عن منفى الرجل، قرابة عقدين، رغم تنشيطه لعشرات الندوات والمحاضرات في تونس في زمن بن علي، في التسعينات من القرن الماضي، وبحضور كاتب التقرير بعضها، باسم منظمات حقوقية فرنسية تُعنى بالعمال، وبالعنصرية، وبالعلاقات بين فرنسا وتونس بشكل عام، ما ينفي باعتباره نقابياً أو قريباً من الساحة النقابية في تونس وفي فرنسا، التي أقام فيها منذ سنوات دراسته الجامعية في باريس، والتي يُشكك عدد كبير من العارفين أكثر بحياة الرجل الخاصة في تتويجها بشهادات تُذكر، أي معرفة بقضايا المنطقة العربية بشكل عام، والخليج بشكل خاص، بحكم الانتماء من جهة، وبحكم تواضع الثقافة الشخصية في هذا المجال. ولتأكيد ذلك يخلو سجل رئيس الفريق الدولي البارز، من أي تقدير خاص، أو أي مساعدة على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية، من أي تكريم دولي، أو شهادة فخرية، أو رمزية، مثل التي حصل عليها عن حق أو عن باطل عشرات الحقوقيين التونسيين الآخرين، أو السياسيين المعارضين سابقاً لبن علي، ابتداءً بزعيم الإخوان المسلمين في تونس راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، الحليف الأول للجندوبي منذ 2011، أو الشخصية المثيرة للجدل بسبب تصرفاتها المنافية للعقل والمنطق، الرئيس المؤقت السابق المنصف المرزوقي، فكلاهما حصل على عشرات الجوائز، رغم الاحتراز الشديد على تجارة الجوائز في مجال حقوق الإنسان، في دول أوروبية كثيرة، ابتداءً بالشبكة الأوروبية المتوسطية، الشبكة الهجينة التي تجمع عشرات المنظمات "الحقوقية" على ضفتي المتوسط، التي رأسها الجندوبي في 2003، والتي أسندت للمرزوقي مثلاً جائزة تقديرية تكريماً "لمسيرته النضالية" وهو العضو في هذه الشبكة بصفة شخصية، أنظر مثلاً تقرير الشبكة لعام 1998، الصفحة 12 الذي يتحدث عن "منع المنصف المرزوقي العضو في الشبكة" من الحصول على جواز سفر يسمح له بالتنقل الحر، أي أن هذه المنظمة الدولية التي ناقشت في التقرير ذاته صعوبة عملها والظروف القاسية التي واجهتها في 1998، بعد تجميد المؤسسات الأوروبية وقتها المجموعة الاقتصادية الأوروبية، والمجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية "مساهماتها المالية". وبالنظر إلى سجل الحقوقي البارز، الذي بوأه نضاله ضد القمع في تونس كما يؤكد مجلس حقوق الإنسان في جنيف، يكتشف المرء أن الخبير الدولي لم يحصل على امتداد "مسيرة نضالية" من هذا الحجم إلا على الصنف الثاني من وسام الجمهورية، أعلى وسام رسمي في تونس، حصل عليه في 2011، أثناء الرئاسة المؤقتة لحليفه المنصف المرزوقي، ثم على جائزة "هيرميس" التي تُصدرها مجلة حقائق التونسية في 2016، التي تخصصت في تمجيد الرئيس السابق بن علي مثلاً على امتداد عهده وحتى سقوطه. وإذا كان حصول الجندوبي على وسام تكريم في 2011، من يد صديقه المرزوقي غير مستغرب، فإن ما يُثير التساؤل خاصةً لعارف بتنظيم إسناد الأوسمة في تونس، كما في غيرها من دول العالم، أن إسناد الأوسمة مثل الجمهورية الذي ينقسم إلى خمسة أقسام، يبدأ من أدنى الأصناف من الرابع إلى الأكبر، على أن يسند بالتدرج، شرط مضي 5 أعوام على الأقل، بين الوسامين، ويُمكن في الحالات الاستثنائية كما يؤكد ذلك القانون، عدد 33 لعام 1959، الحصول على درجة أرفع من هذا الوسام، مثل "تقديم خدمات استثنائية للوطن" ، ما يعني أن الجندوبي لم يحصل على الصنف الأول ولا الأكبر، على يد صديقه المرزوقي، لإدراكه أن ماضيه الحقوقي الشخصي، لا يشفع له لتكريمه بأرفع درجة من أرفع وسام في الجمهورية، واكتفى بإسناده درجة وسطى، على قدر الخدمات التي سمحت بسطو النهضة في انتخابات 2011 التي أشرف الجندوبي على رئاسة لجنة تنظيمها، على الأغلبية في البرلمان، لتفرض بعد ذلك المنصف المرزوقي رئيساً مؤقتاً في البلاد بعد سقوط نظام بن علي، ثم تختار الجندوبي نفسه في حكومة التوافق مع الرئيس الباجي قائد السبسي، في عهد الحبيب الصيد وزيراً مكلفاً بالعلاقات مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان بين 2015 و2016. أما التفسير الثاني والمنطقي، أن الجندوبي حصل على الوسام في عهد بن علي، نظير خدمات معينة، وتدرج بين الأصناف من الرابع إلى الثاني، قبل الانتفاضة التي أودت بحكم بن علي بسنوات، عملاً بأحكام القانون وترتيباته، علماً أن إسناد الأوسمة لم يكن يستوجب إشهارها بالضرورة، ويمكن الحصول عليها، في مراسم بسيطة بعيداً عن الإعلام، والصحافة. إن تداخل هذه العناصر الخاصة بكل عضو من أعضاء "فريق الخبراء البارزين" المكلف بملف حقوق الإنسان في اليمن، تكشف كيف تحولت الورقة اليمنية إلى وسيلة تشهير وتشفٍ سياسي، من دول التحالف العربي الداعم للشرعية، رغم كل الجهود التي تبذلها لتفادي الأخطاء والنقائص والتجاوزات متى حصلت، كما يظهر مثلاً في عمل وأداء الفريق المشترك لتقييم الحوادث، الذي يتحدث عن أخطاء، أو تجاوزات ارتكبها التحالف في المعارك ويكشفها بالتاريخ وبالخرائط، ويرصد نقاط الضعف التي تسببت فيها لمنع تكرارها، ويعاقب المخطئين، والمسيئين، دون أن يشفع له ذلك لدى فريق الخبراء، الذي يتعامل معه بما لا يرقى إليه شك باعتباره مذنباً أولاً وقبل كل شيء، اعتماداً على استعداد هذه اللجنة المصغرة "الفطري" للانحياز إلى الطرف المقابل متى تعلق الأمر بالتحالف وبالحكومة الشرعية، بسبب التضاد السياسي والفكري والثقافي والحضاري، الذي يجمع أعضاء اللجنة أو الفريق من جهة، ودول التحالف واليمن، عموماً من جهة أخرى. عدن الإخوان المسلمين التحالف العربي