- مستشفيات تكتظ بمرضى الأوبئة ذات العدوى الناتجة عن مشكلات الصرف الصحي وانتشار القمامات
- غياب للدور التوعوي بأهمية الحفاظ على البيئة ومسببات متعددة أسهمت في انتشار الأمراض
- كثافة سكانية وارتفاع مؤشرات النزوح إلى عدن ضاعف معاناة المدينة
- د.خالد عبد الباقي: هنا تكمن مخاطر خزانات المياه
باتت عدن المدينة التي ظلت تتغنى بالنظافة وجمال المنظر، في مواجهة مخاطر عديدة تصنعها البيئة بتهديداتها المختلفة ، فعدن تعيش أسوأ أوضاعها البيئية في ظل صيف شديد الحرارة ودرجة رطوبة مرتفعة ، أسهم كل ذلك في انتشار الأوبئة بمختلف مسمياتها.
وبعد المخاوف التي أبداها المواطنون في عدن من عودة لقاحات "الكوليرا" هذه الفترة ، أوضح مصدر في مكتب الصحة بعدن أن وباء الكوليرا عاد مجدداً إلى عدن ، وأن حملة التحصين ضد المرض تعد حملة صحية مدروسة لمواجهة هذا الوباء .
تكرار تفشي الأوبئة في عدن يرجع إلى كونها أصبحت بيئة جاذبة لتلك الأوبئة، ومسببات ذلك تتعدد وتزداد حدة..
قمامات متكدسة
تنامت في عدن مؤخرًا أزمة تراكم القمامة، وانتشرت روائحها الكريهة، بعدما فشلت الجهات المعنية في إيجاد حل لجمعها، رغم الموازنة والإيرادات الضخمة من المحافظة التي تخصّص لصندوق النظافة الذي أنشئ بموجب القرار رقم 20 للعام 1990م، فتحوّلت عدد من شوارع العاصمة إلى مكبّات مصغّرة للنفايات المكدّسة على أرصفة الشوارع الرئيسية والفرعية، هذا التحوّل لا يقف عند تشويه المنظر العام للمدينة وشوارعها، بل ينذر بكارثة بيئية وصحية قد تزيد من تعقيد الوضع الإنساني ما لم يتم تلافيها.
فيما طالب المهندس / راشد قائد أنعم ، مدير عام صندوق النظافة والتحسين بعدن ، الحكومة بتوفير آليات متطورة وحديثة تواكب الازدياد السكاني المتسارع والنزوح المستمر، الذي أدى إلى ازدياد فرز القمامة اليومي من المنازل والأسواق والمستشفيات وصل إلى (770) طنـاً من القمامة يوميـًا- حسب قوله.
مضيفـا أن الآليات متهالكة ولا يوجد إحلال وسُرِقت منها أكثر من (60 %) منذ بدء الأزمة حتى اللحظة، ولا يوجد إحلال لهذه الآليات القديمة، ولا يوجد التزويد المستمر للوقود للآليات العاملة في الميدان أسوةً بالخدمات الأخرى (الكهرباء والمياه).
المجاري .. مشكلة مستعصية
تفاقمت مشكلة مياه الصرف الصحي في معظم مديريات محافظة عدن وباتت مستفحلة، حيث تعتبر شبكة مياه الصرف الصحي، جزء من شبكة توزيع المياه، وهذه الشبكة تعنى بتصريف المخلفات، أصبحت بحاجة إلى إعادة تأهيل، نظراً لتهالكها، كون بعضها قد يصل عمره إلى عشرات السنين منذ تركيبها.
وأبدى الأهالي استياءهم من تكرار المشكلة من دون حل جذري من قبل الجهات المعنية، فلا يكاد يمر أسبوع من دون أن تعود المعاناة مجدداً، ونتيجة للإهمال، وانعدام الصيانة، أصبح طفح مياه الصرف مشهداً مألوفاً في الشوارع، متسبّباً في إعاقة حركة السير، ناهيك عن انتشار الحشرات والروائح الكريهة، وما خلّفته هذه المياه من أوبئة، مُهدّدة بكارثة صحية.
ويحذّر الأطباء من زيادة الحالات المرضية المصابة بحمّى الضنك والملاريا، الناتجة من نقل حشرة مياه الصرف الصحي (البعوض) للمرض من مريض إلى آخر، مشيرين إلى أن مستشفيات عدن تمتلئ بعدد كبير من المرضى، أغلبهم من فئة الأطفال، فيما سُجّل عدد كبير من حالات الوفاة. ويدعو الأطباء إلى إيجاد حل لهذه المشكلة، قبل تحوّلها إلى كارثة صحّية مؤكّدة.
يذكر بعض العاملين في الصرف الصحي أن من أسباب انتشار المجاري كمية مياه الأمطار التي تنزل على عدن ولا تجد لها منافذ، ومن أجل التخلص من تلك الكمية فتحت مناهل المجاري للتخلص من كمية الأمطار، وأثناء تصريف مياه الأمطار كانت تلك المياه محملة بالأتربة مما ساهم بدخولها في شبكات المجاري ، وكل ذلك أثر على المجاري مما سبب في انتشارها في عموم مديريات عدن.
يصف المواطن / عبده ناشرمعاناته، قائلا: "يوجد خلف منزلي فتحة مجاري تعرضت للهدم من قبل سيارة ، فصارت المجاري تنتشر في كل مكان ، وأصبحنا نتعرض للدغ البعوض والروائح الكريهة التي تنشر في كل أرجاء المنطقة، لذلك نطالب الجهات المعنية الإسراع في عمل حل جذري للمجاري التي تؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض".
وأضاف: "من المفترض أن يكون هناك صيانة دائمة للمجاري، ونحن نقدر وضع البلاد خلال هذه الفترة ولكن هذه من المشاكل التي يجب أن يكون لها حل عاجل".
خزانات المياه .. بيئة خصبة للأوبئة
أصبح الناس في عدن يلجؤون إلى استخدام الخزانات لخزن المياه بسبب كثر الانقطاعات وضعف المياه في معظم أحياء عدن، ومياه الخزانات أكثر عرضة للتأثر بالكثير من العوامل البيولوجية والعضوية وغيرها ، والتي تؤدي إلى تلونها وبالتالي تنتج عنها أضراراً صحية على مستخدميها، خاصة وأن هناك عدد غير قليل من السكان في اليمن يعتمد على مياه الخزانات المنزلية في الشرب.
الدكتور / خالد عبد الباقي ، مدير المجمع الصحي المعلا ، أفادنا بهذا الخصوص قائلاً: "تعتبر خزانات المياه مصدراً وحيداً لتخزين المياه من قبل مستخدميها في المجمعات السكنية والمنازل وكذا المدارس وغيرها ، إلا أن هذه الخزانات لا تجد من يعتني بها ويهتم بنظافتها وأيضاً صيانتها ، فكثير من الأفراد لا يهتمون بخزاناتهم".
وفيما يخص الأمراض الناتجة عن تلوث خزانات مياه الشرب بالبكتيريا، يقول: "يمكن أن تنتقل عبر مياه الشرب إلى جسم الإنسان العديد من الأمراض الناتجة عنها ، منها: الكوليرا ، والسالمونيلا ، وبكتيريا القولون البرازية التي تسبب التهاباً رئوياً ، وكذا حبيبات الكلى ، والدرن الرئوي ، إضافة إلى التهابات الجلد ، وأيضاً التهاب الزائدة الدودية ، والتيفوئيد ، والدونشاريا، كما تسبب أيضاً الفطريات ، والتهاب فروة الرأس" الثعلبة" ، والتهاب منبت الأظافر ، والتهاب فطر القدم الرياضي ، وكذا التهاب منابت الشعر، أما الطفيليات والفيروسات فهي تسبب شلل الأطفال ، والتهاب الكبد الوبائي ، وكذلك حمى الغدد ، والسحايا ، والرمد ، والإسهال ، وأمراض عديدة أخرى".
ويضيف: "نلاحظ أن أغلبية الناس لم يفكروا إطلاقاً بتنظيف الخزانات وتفقد صلاحيتها ، ويكون السبب في ذلك بأنهم يستخدمون الخزانات للغسيل فقط، وليس للشرب ، هذا هو السبب الذي جعلهم يتجاهلون الاعتناء بها، والعمل على الوقاية من الأمراض التي تسببها خزانات المياه، ويتم هذا من خلال المحافظة على خزانات المياه بإغلاقها وتنظيفها بشكل دوري، وأيضاً من خلال استخدام بعض المواد المنظفة، ومن الضروري العناية بنظافة الماء لحياة صحية ، فهي ضرورية لعملية الهضم وكذا امتصاص المواد الغذائية وأيضاً إمدادات الأوكسجين والتغذية إلى الخلايا ، وهذا يساعد على التخلص من فضلات الجسم من أجل الحفاظ على سير عمل أعضاء الجسم".
أضرار أزمة السكن
تشهد مدينة عدن، أزمة سكن متفاقمة، فيما يُطبِقُ النافذون والسماسرة على سوق العقارات الضيق جداً، فيلجأ السواد الأعظم من بسطاء المواطنين إلى أكثر الخيارات فداحة وكارثية (البسط والبناء العشوائي) ، إضافة إلى من تضرّروا من الحرب، ودُمّرت منازلهم، حيث اضطر هؤلاء إلى البناء بشكل عشوائي لإيجاد مأوى لأسرهم، بعد أن تعذر عليهم العودة إلى منازلهم، في حين لا تزال جهود إعادة الإعمار غائبة كلياً في الوقت الحالي.
وهذا الأمر بدوره يفاقم الأزمة البيئية نتيجة تضرر الخدمات نتيجة العبء المتزايد عليها.
وإضافة إلى ما تسببه عملية البناء العشوائي داخل كل حي وفي كل شارع، من تشويه للمنظر الجمالي للمدينة، خلقت عدداً كبيراً من المشاكل، أبرزها أن هذا البناء العشوائي، تم فوق خطوط النقل ومراكز تحكم من أنابيب وكيبلات تابعة للخدمات العامة من مجاري وكهرباء وماء وهاتف، كما أصبح الربط العشوائي للكهرباء، يتم مباشرة من أعمدة الإنارة، وعلى نطاق واسع، إلى الحد الذي يصل حجم الاستهلاك من الطاقة الكهربائية، من خلال هذا الربط العشوائي، إلى 40% من قيمة الطاقة الكهربائية، المنتجة في محافظة عدن، ما تسبب بالكثير من الحوادث، مثل انفجار محولات الطاقة الموجودة في الأحياء، وضعف التيار الكهربائي، كما قام البعض ببناء منازل عشوائية بالحفر، إلى جانب منازلهم، وتركيب مولدات في هذا العمق، لضخ المياه إلى منازلهم، وشقها من الأنبوب العام المشترك، ما حرم المواطنين من وصول المياه إلى منازلهم لأسابيع، وضاعف من معاناتهم.
توعية غائبة
مدير إدارة الحدائق والتشجير بمحافظة عدن المهندس/ صالح علي الرداعي، قال :" إن التشجير يقوم بتلطيف الجو واحتجاز الرمال المنتشرة في الهواء وحجز الرياح العاتية التي تهب على المدن".
وأشار إلى أن الحفاظ على التشجير لابد أن تكون هناك توعية تبدأ من رياض الأطفال وتعليمهم أهمية التشجير وكيفية الحفاظ عليها .
وأوضح المهندس صالح الرداعي أن إدارة الحدائق والتشجير في محافظة عدن تعاني من العبث بما يتم زراعته.. متمنيـاً أن يقوم أفراد المجتمع بالتعاون للحفاظ على البيئة.
من جانبها أوضحت رئيسة قسم التوعية البيئية في صندوق النظافة وتحسين المدينة بعدن الأخت/ شادية محمد صالح العقربي : " أن اللامبالاة من قبل معظم المواطنين الذين يتعمدون برمي القمامة في أي مكان دون وازع ديني أو أخلاقي قد أسهمت في تكدس النفايات في المدينة وانتشار العديد من الأوبئة وفقدان المدينة لرونقها".
يقول المواطن / سليم العمري ، أن الناس يسهمون بقدر كبير في التلوث البيئي ، ويدلل على ذلك بعدم اهتمامهم بوضع القمامات في أماكنها المحددة، وكذا ما يقوم به بعض الأفراد من سلوكيات غير حضارية من خلال (التبوّل) في الشوارع العامة، وكذا التدخين في وسائل النقل.
وفي رأيه أن التوعية ستلعب دورا كبيرا في هذا الجانب.
المركبات .. تلوث آخر
تكتظ مدينة عدن بأنواع المركبات التي تزدحم بها الشوارع ، ولا يقتصر ضررها على الفوضى و إزعاج السمع فقط؛ وإنما ما ينتج عنها من محروقات تسهم في تلوث الشوارع والأحياء، لاسيما انتشار الدراجات النارية في المدينة الذي أصبح كابوساً مزعجاً يؤرق حياة المواطنين.
فقد بات اصطفاف العشرات من الدراجات النارية في شوارع مدينة عدن مشهداً مألوفاً، إذ يجدها المئات من أبناء المدينة وسيلة سهلة ومناسبة لترحلهم من مكان إلى آخر، بأقل تكلفة وأقصر مسافة، وبسهولة تخطيها للطرق الوعرة والازدحام المرورية، لكن أصحاب تلك الدرجات والجهات المعنية لا يأبهون إلى ما تثيره المركبات ومنها الدرجات النارية من مخاطر بيئية على المدينة.
إضافة إلى ذلك فالمحروقات التي تنتجها المولدات الكهربائية التي يستخدمها الناس في المنازل والمحلات بسبب ضعف الكهرباء، تسهم أيضاً في التلوث بفعل المحروقات التي تصدر عنها.