
في ظلّ تصاعد غير مسبوق لعمليات تهريب وترويج المخدرات إلى الجنوب، تبرز أسئلة جوهرية تفرض نفسها بقوة حول أهداف هذا المخطط وأطرافه الخفية. فالمؤشرات المتزايدة تؤكد أن ما يجري ليس نشاطًا عشوائيًا أو حالات منفصلة، بل جزء من حربٍ ممنهجة تستهدف تدمير وعي المجتمع الجنوبي، والنيل من شبابه في عمق قوّتهم وبنيتهم الأخلاقية والوطنية.
هذه الحرب تأتي ضمن سياق أوسع من المعركة التي تخوضها القوات المسلحة الجنوبية دفاعًا عن أرض الجنوب وهويته، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي يقود مواجهة شاملة متعددة الأوجه — عسكرية وأمنية وسياسية — ويحقق فيها انتصارات متواصلة بثباتٍ وشموخ، مستندًا إلى عدالة القضية الجنوبية وإرادة شعبٍ لا تُهزم.
وفي مقابل التقدم الملموس للمشروع الوطني الجنوبي على المستويين السياسي والدبلوماسي، تتكثف محاولات الأعداء لإجهاض هذا التقدم عبر شنّ حروبٍ متزامنة — إرهابية، إعلامية، واستخباراتية — هدفها زعزعة الاستقرار وتشويه صورة الجنوب ومجلسه الانتقالي، والسعي لإظهاره كبيئةٍ حاضنةٍ للإرهاب أو مسرحٍ لصراعات داخلية، في وقتٍ يواصل فيه الجنوب ترسيخ أمنه واستقراره رغم كل التحديات.
"حرب ناعمة بأدوات قذرة"
منذ دحر قوات الغزو الشمالي الثانية عام 2015، ونجاح المقاومة الجنوبية في تحرير الأرض وبناء مؤسسات أمنية وعسكرية، تغيّر شكل الحرب على الجنوب. فبعد فشل الأعداء في تحقيق أهدافهم عسكريًا امام القوات المسلحة الجنوبية على امتداد الجبهات الحدودية الجنوبية مع الشمال، لجأوا إلى الحرب الناعمة عبر أدواتٍ أشد خبثًا: الإرهاب، الفوضى، التخريب، وتهريب المخدرات.
فالمخدرات اليوم لم تعد مجرّد جريمة جنائية أو تجارة سوداء، بل سلاح بارد في يد خصوم الجنوب، يستخدمونه لضرب استقرار المجتمع، ونشر الانحراف والجريمة، وتشتيت وعي الشباب حتى يفقد الجنوب بوصلته نحو مشروعه الوطني في استعادة دولته وبناء مؤسساته.
"أرقام مرعبة تكشف حجم المؤامرة"
بحسب تقارير ميدانية صادرة عن قوات الحزام الأمني وإدارة مكافحة المخدرات بعدن، تم خلال الأشهر الماضية ضبط كميات ضخمة من المواد المخدّرة، شملت:
• أكثر من 400 كيلو من الحشيش.
• ما يزيد عن 500 ألف حبة كبتاجون.
• ومئات الآلاف من الحبوب المخدّرة من نوع بريجابالين قوة 300، التي تُعد الأخطر تأثيرًا على فئة الشباب.
هذه الكميات، بحسب مراقبين، لا يمكن أن تدخل الجنوب دون دعم وتسهيلات من شبكات تهريب منظمة ترتبط بجهات معادية، تسعى إلى تحويل الجنوب إلى سوق إدمان ومستنقع انحراف يُستهلك فيه الشباب بدل أن يكونوا عماد الوطن ومستقبله.
"تصريحات رسمية تكشف الخطر"
المقدّم مياس الجعدني مدير مكافحة المخدرات في قوات الحزام الأمني بعدن، كشف في مقابلة متلفزة على قناة عدن المستقلة أن “حبوب البريجابالين قوة 300” تُهرّب بكميات كبيرة إلى عدن لغياب نص قانوني يجرّمها صراحة، وهو ما تستغله جهات معادية لتدمير الشباب الجنوبي ونشر الجريمة.
وأكد الجعدني أن قوات المكافحة تضبط كميات مهولة من هذه الحبوب يوميًا، لكن غياب التشريعات الرادعة يجعل العقوبات ضعيفة، ما يشجع المهربين والمروجين على التمادي في نشاطهم الإجرامي.
ثغرات القانون… وعبث المتنفذين
يرى مراقبون أن استمرار غياب قوانين واضحة تجرّم بعض أنواع المخدرات الحديثة مثل “البريجابالين”، ليس صدفة، بل يُعدّ جزءًا من تواطؤ خفي لبعض المتنفذين الذين يغضّون الطرف عن هذه التجارة القاتلة.
ويؤكد هؤلاء أن أي تهاون في هذا الملف يفتح الباب أمام انهيار اجتماعي واسع، لأن المخدرات هي البوابة الخلفية لتفكيك المجتمعات، وتدمير الأجيال دون إطلاق رصاصة واحدة.
قوات الأمن.. الجبهة الصامتة
رغم صعوبة المواجهة، تخوض قوات الأمن والحزام الأمني حربًا يومية ضد هذا الخطر، في الشوارع والمنافذ والمخازن.
ولولا يقظة هذه القوات لكانت العاصمة عدن ومحافظات الجنوب اليوم غارقة في بحر من السموم الممنهجة.
وتتطلب الجهود البطولية إلى دعم سياسي وتشريعي وإعلامي يوازي حجم الخطر، ويحوّل قضية المخدرات إلى قضية أمن وطني أولى.
"دعوة إلى تحرك وطني شامل"
الحقيقة ان ما يتعرض له الجنوب اليوم ليس مجرد حرب على الأمن أو الاقتصاد، بل حرب على الوعي والهوية والكرامة.
والمطلوب أن تتحرك كل الجهات — الحكومية، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني — في جبهة واحدة لسنّ القوانين الرادعة، وتعزيز الوعي، وإغلاق المنافذ أمام المهربين، وتجريم كل من يتعاون معهم مهما كان موقعه.
ختاماً.
قد يظنّ البعض أن المعركة انتهت بانتهاء الحرب العسكرية، لكن الحقيقة أن العدو غيّر سلاحه فقط.
فبدل الرصاص والمدافع، يزرع اليوم سمومًا تقتل العقل وتنهش القيم.
لكن الجنوب الذي واجه الغزو بالسلاح سيواجه اليوم هذه المؤامرة بالإرادة والوعي، وسينتصر كما انتصر في كل ساحات الشرف، لأن الإيمان بالوطن لا يُخدَّر، والكرامة لا تُشترى بحبوبٍ مسمومة.