
من العاصمة عدن، تتواصل الترتيبات والتحضيرات المكثفة لإحياء الذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، المناسبة الوطنية التي تمثل رمزًا خالدًا في وجدان شعب الجنوب وذاكرة كفاحه الطويل من أجل الحرية والسيادة.
وقبل أمس، عقدت هيئة الإعلام والثقافة بالأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي اجتماعًا برئاسة الأستاذ عبدالعزيز الشيخ، لمناقشة الخطة الإعلامية الخاصة بتغطية فعاليات هذه المناسبة في محافظتي الضالع وحضرموت وبقية محافظات الجنوب.
وأكد الشيخ أن الاحتفاء بثورة أكتوبر يأتي استجابة لدعوة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، مشددًا على أهمية توحيد الأداء الإعلامي لإبراز الرسائل الوطنية التي تحملها هذه الذكرى العظيمة، بما يجسد الإرادة الجنوبية الحرة في المضي نحو تحقيق أهدافها المشروعة.
" جذور الثورة وبداية الحكاية "
في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963، انطلقت من جبال ردفان أول شرارة لثورة التحرر ضد الاستعمار البريطاني، معلنة ميلاد فجرٍ جديد لشعب الجنوب الذي قدّم التضحيات الجسام حتى نال استقلاله الكامل في 30 نوفمبر 1967، وأقام دولته المستقلة: جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
كانت تلك الدولة نموذجًا للاستقلال والسيادة الوطنية، حتى جاءت وحدة عام 1990 بين دولتي الجنوب والشمال على أمل بناء كيان عربي موحّد يسوده العدل والمساواة. غير أن ما حدث بعد ذلك كان عكس ذلك تمامًا؛ إذ غدر نظام الشمال بالوحدة، وحوّلها إلى وسيلة للهيمنة والنهب والإقصاء، ومارس ضد الجنوب حربًا ممنهجة من السلب والقتل والتدمير تحت راية ما سُمّي بـ”الوحدة”.
"غزو باسم الوحدة المشؤومة"
لم تتوقف المؤامرات عند حدود 1994، حين اجتاحت قوات صنعاء الجنوب تحت ذريعة الحفاظ على الوحدة، بل تجدد الغزو مرة أخرى في العام 2015، حين رفع الحوثيون شعار “محاربة الدواعش والقاعدة”، بينما كانت نيتهم الحقيقة إخضاع الجنوب مجددًا بقوة السلاح.
لكن شعب الجنوب لم يستسلم، بل خاض معركة بطولية شرسة دافع فيها عن أرضه وهويته، وقدّم الشهداء والجرحى من مختلف المحافظات، حتى تحقق النصر، وتم تحرير عدن وبقية مدن الجنوب من الغزاة الشماليين.
لقد كانت تلك المعركة امتدادًا حقيقيًا لروح ثوار أكتوبر الأوائل، إذ التقت دماء الجيلين في مسار واحد من أجل الحرية والكرامة. ومن رحم تلك الانتصارات، أعاد أبناء الجنوب بناء مؤسساتهم العسكرية والأمنية والسياسية، ليبدأوا مرحلة جديدة من النضال المنظم.
"معركة استعادة الدولة الجنوبية "
في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، برزت القيادة الجنوبية ممثلة بالرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، التي أعادت صياغة المشهد الجنوبي برؤية وطنية ناضجة، وجعلت من قضية الجنوب حقيقة سياسية حاضرة في كل المحافل الإقليمية والدولية.
ومن خلال المجلس الانتقالي الجنوبي، تحققت خطوات كبيرة في توحيد الصف الجنوبي وبناء مؤسسات الدولة القادمة، واستعادة الكيان السياسي والعسكري للجنوب على أسس وطنية متينة.
اليوم، بات الجنوب قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافه المشروعة المتمثلة في التحرير والاستقلال، بفضل التضحيات الجسيمة التي قدّمها أبناؤه، والإرادة الثابتة لقيادته التي تعمل بروح الدولة ومسؤولية التاريخ.
"ثورة أكتوبر… ذاكرة المجد وبوابة المستقبل "
الذكرى الـ62 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، التي تتزامن فعالياتها هذا العام في الضالع وحضرموت وعدن، ليست مجرد احتفاء رمزي، بل هي تجديدٌ للعهد مع الشهداء وتأكيدٌ على أن روح الثورة لا تزال تنبض في كل قلب جنوبي.
فمن ردفان إلى العاصمة عدن، ومن ساحات التحرير إلى ميادين السياسة، يواصل الجنوب مسيرة النضال ذاته بروح أكتوبرية خالدة، نحو بناء الدولة الجنوبية المستقلة، دولة العدالة والكرامة والهوية.تلك هي ثورة الجنوب المستمرة
ثورة بدأت في أكتوبر 1963، وتجد اليوم اكتمالها في إرادة شعبٍ لا يعرف الانكسار، يسير خلف قيادته الوطنية المخلصة نحو فجر الاستقلال القادم.
"ختاماً "
الجنوب اليوم يقف على أعتاب فجرٍ جديد، يحمل في روحه وهجه الأول من ردفان، وفي قلبه نبض عدن التي لم تنكسر يومًا.
من رماد الغزوات وخراب الحروب، نهض الجنوب من جديد، شامخًا بإرادة أبطاله ووعي قيادته، مؤمنًا أن الحق لا يُستجدى، بل يُنتزع بثبات الموقف ووحدة الصف.
وها هو اليوم، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، يسير بخطى واثقة نحو استعادة دولته المنشودة، رافعًا راية الحرية التي أضاءت سماء الرابع عشر من أكتوبر قبل اثنين وستين عامًا، لتبقى خالدة ما خُلِق الجنوب وما بقيت الثورة.