تطل مناسبة يوم اللغة المهرية كل عام كأحد أبرز العناوين الثقافية التي تعكس عمق الانتماء الجنوبي، وترسخ حضور المهرة كلؤلؤة في عقد الجنوب المتنوع. وفيما كان من المقرر إحياء الفعالية في الثاني من أكتوبر، أعلن مركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث بجامعة المهرة تأجيل المناسبة إلى الاثنين 6 أكتوبر 2025م، حدادًا على رحيل الشيخ محمد أحمد الزويدي، مدير مديرية سيحوت، وعضو هيئة التشاور والمصالحة، في خطوة جسدت احترامًا وتقديرًا لمكانة الراحل الاجتماعية والوطنية.
هذا القرار لم يُضعف من زخم المناسبة، بل زادها عمقًا، إذ تحولت من مجرد احتفالية ثقافية إلى رسالة مزدوجة تجمع بين الوفاء للرجال المخلصين والتشبث بالهوية الثقافية الجنوبية، التي تعدّ اللغة المهرية جزءًا أصيلًا من مكوناتها التاريخية.
"فعاليات تُنتظر.. ورسائل عميقة"
تحدث لـ«صوت المقاومة الجنوبية» الأخ محمد كرميم كلشات، أحد مسؤولي مركز اللغة المهرية، قائلًا:
«الفعالية تتميز بتقديم برامج منوعة وعروض ممتعة من إرث وهوية المهرة الثقافية الأصيلة. كما أنها تقام بحضور قيادات السلطة المحلية والشخصيات الوجيهة، بهدف إبراز الإرث الثقافي والأدبي الذي يعكس حضارة هذه اللغة. والاحتفاء بها سنويًا يندرج ضمن الجهود الرامية للحفاظ عليها من الاندثار باعتبارها من أقدم لغات العالم».
هذه الكلمات تختزل روح المناسبة، فهي ليست مجرد عرض تراثي عابر، بل مبادرة استراتيجية لإحياء لغة عريقة، ونقلها إلى الأجيال القادمة، بما يحمله ذلك من عمق حضاري ودلالة سياسية.
"أهمية اليوم سياسيًا وثقافيًا"
يُعد تخصيص يوم سنوي للغة المهرية ليس فعلاً ثقافيًا فحسب، بل مشروع وطني جنوبي يحمل دلالات سياسية عميقة:
• أولًا: اللغة المهرية ترمز إلى السيادة الثقافية الجنوبية، وتؤكد أن الجنوب ليس جغرافيا فحسب، بل هوية متجذرة.
• ثانيًا: المجلس الانتقالي الجنوبي بتبنيه لهذا اليوم، يوجه رسالة واضحة بأن حماية اللغات المحلية مسؤولية وطنية جامعة، تعكس التعدد والتنوع الغني الذي يشكل هوية الجنوب.
• ثالثًا: الاحتفاء بالمهريّة يأتي في وقت يحاول فيه الخصوم طمس معالم الهوية، لتكون المناسبة بمثابة رد حضاري راقٍ يؤكد أن الجنوب متمسك بجذوره وموروثه.
"الحراك المجتمعي والإعلامي"
رغم تأجيل الفعالية الرسمية، فإن الأنشطة لم تتوقف:
• المدارس في المهرة نظمت فعاليات مصغرة تضمنت مسابقات وأهازيج ومجسمات تراثية.
• حملات إلكترونية واسعة أُطلقت عبر وسم #يوم_اللغه_المهريه، لتسليط الضوء على المناسبة وتوعية الأجيال الجديدة.
• ناشطون جنوبيون أكدوا أن الاحتفاء بالمهريّة واجب لا يقل أهمية عن أي معركة سياسية أو عسكرية، لأنه دفاع عن هوية.
هذا التفاعل الشعبي عكس وعي المجتمع المحلي والجنوبي بدوره في صون اللغة، ويؤكد أن المشروع أكبر من مجرد مناسبة سنوية، بل هو حالة وعي متنامية.
"التحديات أمام اللغة المهرية"
رغم الزخم المتجدد، تواجه اللغة المهرية تحديات حقيقية:
• ضعف التوثيق العلمي لمفرداتها ولهجاتها.
• غياب المناهج الدراسية المنظمة التي تُدرجها ضمن التعليم الرسمي.
• محدودية الموارد المالية والتقنية للمشاريع البحثية والتوثيقية.
• ضغط العولمة والتمدن، الذي يهدد اللغة بعدم الانتقال بشكل طبيعي بين الأجيال.
هذه التحديات تجعل من الفعالية السنوية أكثر من مجرد احتفالية، بل معركة صامتة ضد النسيان والاندثار.
استراتيجية مستقبلية
لضمان نجاح المشروع، يرى مختصون أن هناك حاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد تشمل:
1. إدماج اللغة المهرية في المناهج الدراسية، ولو بشكل تدريجي.
2. توسيع الأرشفة الرقمية، من خلال تسجيلات صوتية ومرئية توثق النصوص الشفهية.
3. تفعيل الإعلام الجنوبي لبث محتوى دوري بالمهريّة عبر القنوات والمنصات.
4. إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص لدعم المشاريع.
5. بناء شراكات أكاديمية دولية تتيح تبادل خبرات في توثيق اللغات المهددة بالاندثار.
برنامج الفعالية القادمة (6 أكتوبر 2025)
من المقرر أن يشمل برنامج الاحتفالية الرسمية:
• كلمات افتتاحية لقيادات الجامعة والمحافظة.
• جلسات علمية وبحثية عن اللغة المهرية.
• عروض فنية وأهازيج شعبية من تراث المهرة.
• ورش عمل للأطفال والشباب لتعليم أساسيات اللغة.
• تكريم شخصيات أسهمت في خدمة التراث المهرّي
ختاماً ..
إن يوم اللغة المهرية ليس مناسبة ثقافية عابرة، بل هو حدث وطني جنوبي جامع يحمل في طياته رسالة صمود ووفاء للهوية. ورغم الحداد وتأجيل الاحتفالية الرسمية، فإن الاستعدادات الجارية لإحيائها في السادس من أكتوبر 2025 تؤكد أن الجنوب قيادةً وشعبًا ماضٍ في طريقه لحماية تراثه وصون مكوناته الثقافية.
وتأتي أهمية المناسبة من كونها فرصة لإطلاق مسارات عملية تعزز حضور اللغة المهرية في التعليم والإعلام والبحث العلمي، وتفتح الباب أمام مشاريع عاجلة للأرشفة والتوثيق، بما يضمن بقاءها حية في وجدان الأجيال. كما تمثل دعوة مفتوحة لكل المؤسسات الرسمية والمجتمعية في الجنوب للانخراط في مشروع وطني شامل يحمي اللغات الجنوبية المهددة بالاندثار.
وبذلك، فإن الاحتفاء السنوي بالمهريّة يختصر إرادة الجنوب في أن يبقى متجذرًا في هويته، وفي أن يصوغ مستقبله على قاعدة أصيلة من الإرث والتاريخ. إنها ليست مجرد لغة، بل صوت حضارة الجنوب وروح هويته، ورسالة واضحة بأن موروثه سيظل صامدًا، حاضرًا، وملهمًا للأجيال القادمة.