كتب | عبدالسلام السييلي
يحل علينا الأول من سبتمبر من كل عام، حاملاً معه ذكرى خالدة في وجدان أبناء الجنوب، وهي ذكرى عيد الجيش الجنوبي الذي تأسس مع بزوغ فجر الاستقلال الوطني ، وكان عماد الدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ففي مثل هذا اليوم من عام 1971م، جرى إعلان تأسيس الجيش الجنوبي خلال حفل إشهار الكلية العسكرية في صلاح الدين بالعاصمة عدن كرمز للسيادة وحامي للإنجازات الوطنية، بعد سنوات من الكفاح المسلح الذي قاده أبناء الجنوب ضد الاستعمار البريطاني.
- تأسيس الجيش الجنوبي :
كما ذكرنا سابقا تأسس الجيش الجنوبي في الاول من سبتمبر من العام 1971م وانبثق الجيش الجنوبي من رحم النضال، إذ تشكّل أساسه من طلائع "جيش التحرير " الذي خاض المعارك البطولية ضد الإستعمار البريطاني، ثم جرى تطويره بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، ليكون جيشاً وطنياً منظماً، يحمل عقيدة قتالية راسخة هدفها الدفاع عن الأرض والعرض والإنسان، وصون السيادة الوطنية الجنوبية وحماية كرامة شعب الجنوب.
- دور الجيش الجنوبي:
خلال سنوات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لعب الجيش الجنوبي أدواراً محورية في :
- حماية الدولة الفتية من التحديات الخارجية ومحاولات زعزعة استقرارها.
- المساهمة في بناء المؤسسات الوطنية وتثبيت أركان الدولة الحديثة.
- الالتزام بالواجب القومي عبر مساندة القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
- تعزيز الأمن الداخلي وتوفير الحماية للشعب ومقدراته.
- مساهمة الجيش في تطوير إقتصاد الدولة الجنوبية من خلال وجود مؤسسات إنتاجية.
- رمزية الذكرى:
إن مرور 54 عاماً على عيد الجيش الجنوبي لا يمثل مجرد مناسبة تاريخية عابرة، بل هو استعادة لروح الانتماء والوفاء لتضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فقد جسّد الجيش الجنوبي مدرسة فريدة في الانضباط والاحترافية والعقيدة القتالية الصحيحة، وكان نموذجاً للولاء الوطني الخالص، بعيداً عن الولاءات المناطقية والجهوية الضيقة.
- الجيش الجنوبي والهوية الوطنية الجنوبية:
إرتبط الجيش الجنوبي إرتباطاً وثيقاً بهوية الجنوب السياسية والوطنية. فهو لم يكن مجرد مؤسسة عسكرية، بل كان عموداً من أعمدة الكيان الوطني، ودرعاً حامياً لمشروع الدولة المدنية الحديثة، التي عُرفت بوضوح الرؤية، والسيادة المستقلة، والعلاقات المتوازنة مع أغلب دول العالم رغم بعض الخلافات الايديولوجية بسبب النظام الإشتراكي السائد آنذاك حيث كان العالم منقسم إلى قطبين.
- القوة التسليح :
كان الجيش الجنوبي واحد من أهم الجيوش العربية في المنطقة وأقواها وكان يتميز بعقيدة قتالية شرسة، فبرغم قلة العدد مقارنة بمساحة الجنوب مترامية الأطراف، إستطاع تأمين كل شبر في أرض الجنوب، وبأسلحة روسية بحتة، حيث كانت هناك علاقات وطيدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والإتحاد السوفيتي آنذاك.
وتميز الجيش الجنوبي بأمتلاكه لكافة أنواع الأسلحة التقليدية من طائرات ودبابات وغيرها وبكوادر جنوبية مؤهلة في أرقى الكليات العسكرية لدول المعسكر الشرقي.
- تفكيك الجيش الجنوبي وإقصاء كوادره :
بعد حرب صيف 1994م الظالمة والتي تم فيها إجتياح الجنوب من قبل نظام صنعاء الاحتلالي وبمساعدة من الجماعات الاسلامية الارهابية مسنودة بفتاوى التكفير ضد شعب الجنوب، عمدت عصابات صنعاء على تفكيك الجيش الجنوبي وتهميش كوادره وإقصائهم من اعمالهم لضمان عدم قيامهم بأي أعمال يمكن من خلالها استعادة دولة الجنوب.
- إعادة تشكيل الجيش الجنوبي :
لم يستكن أبناء الجنوب ولم يرضخوا لسياسة الأمر الواقع التي فرضها الاحتلال اليمني بل قامت عدد من حركات الرفض لعل أهمها حركة حتم التي ترأسها القائد عيدروس الزُبيدي والتي تم فيها تشكيل مجاميع مقاومة أستمرت وكانت نواة لإعادة إحياء الجيش الجنوبي وبدا ذلك واضحا وجليا قبل حرب 2015م وما بعدها والتي ساهم فيها بشكل كبير للتصدي للغزو الحوثعفاشي.
- الجيش الجنوبي اليوم :
اليوم وبعد مرور 54 عاما على تأسيس الجيش الجنوبي نجد أن القوات المسلحة الجنوبية تمارس نفس الدور المسند إليها وهو حماية الجنوب ومكتسباته وتأمين حدوده وضمان أمنه الداخلي والتصدي للجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية التابعة للقوى التي تقف ضد مشروع شعب الجنوب في استعادة دولته الجنوبية كاملة السيادة بحدود ما قبل العام 90
- الدروس والعِبر
إن استحضار هذه المناسبة بعد مرور أكثر من نصف قرن يحمل دروساً بالغة الأهمية:
1. أن قوة الأوطان تبدأ من قوة جيوشها القادرة على حماية السيادة.
2. أن الجيش الجنوبي كان جيشاً للشعب، مرتبطاً بهمومه وآماله، ولم يكن أداة قمع أو هيمنة.
3. أن تضحيات الأجيال السابقة تفرض على الحاضر واجب الوفاء، وعلى المستقبل مسؤولية البناء على ذات الأسس الوطنية.
- ختاماً:
تظل الذكرى الـ54 لعيد الجيش الجنوبي مناسبة لاستلهام العزيمة وتجديد العهد مع تضحيات الأبطال الذين كتبوا بدمائهم صفحات مجد خالد. فهي مناسبة لاستذكار جيش صنع التاريخ وحمى الوطن، وللتأكيد على أن قوة الجنوب ستظل مستمدة من إرثه الوطني والنضالي العريق، ومن إصرار شعبه على استعادة دولته و مكانته وسيادته بين الأمم.