النكسة ثم المقاومة..

النكسة ثم المقاومة..

النكسة ثم المقاومة..
2025-07-09 22:02:18
صوت المقاومة الجنوبية/خاص

 

في مسار التاريخ، لا تصنع الثورات على الأرائك الوثيرة، ولا تبنى الأوطان على ترانيم الهدوء وحدها،بل غالبا ما تكتب البدايات العظيمة بالحبر المختلط بالعناء، وتنسج خطواتها الأولى من أشواك التجربة ودماء الإصرار، عقبات وصعوبات الثورة الجنوبية،  نتذكر ارهاصاتها الأولى  .

ولاننا أصحاب ذاكرة غنية فإننا نتذكر الشهداء والأرامل والثكالى واليتامى ونخبر الاطفال القادمون إلى الحياة بكل شيء كي يكبر ذلك الطفل ويقول لن أنسى ولن أغفر،ونهمس في أذن الذاكرة الجمعية، أن الطريق الذي سلكناه في ثورتنا الجنوبية، السلمية منها والمسلحة، لم يكن معبدا بالورود، بل كان مليئا بالحفر التي حفرها خصومنا بأدق أدوات الحذر والعداء،كنا نواجه دولة لا خصما عاديا بل دولة بكامل أجهزتها وسلطانها، بثقلها العسكري والسياسي والمالي، قد سخرت كل ما تملك لإجهاض نبضاتنا.

ودعونا هنا نذكر الفصائل والأجهزة الاستخباراتية والإعلامية التابعة للعليان الأحمر وعفاش" اجهزة نظام الاحتلال":

علي عفاش كان يمتلك مؤسسات إعلامية ومواقع صحفية ،وجزءا من الإرهاب "القاعدة"، وسلفية محمد الإمام الذماري عوضًا عن الأجهزة الأمنية والترسانات العسكرية التي وجهها نظام الاحتلال نحو صدر الجنوب .

علي محسن الأحمر كان يمتلك مؤسسة الإصلاح بصحفها ومواقعها وجزء كبير من القاعدة والسلفية الحجورية .

لقد كنا منذ اللحظة الأولى واقفين في وجه آلة لم تكن تقاتلنا بالسلاح فحسب، بل بالكلمة أيضا، بالكذب الممنهج، وبالتشويه المقدس، سمينا عملاء، لأننا أردنا وطناً حراً، اتهمنا بالكفر، لأننا حلمنا بوطن لا يفرض عليه قيد ولا وصاية،قيل لنا: الوحدة من أركان الإسلام، وكأننا بكلماتنا نمس جوهر العقيدة،رمونا بكل نعت مهين: هنود، أحباش، صومال، غرباء في أرضنا التي منها نبتنا، وفيها دفن شهداؤنا.

كانوا يتحدثون من فوق منابر السياسة، ويتلون أحكامهم من منابر الدين، ويكتبون عنا في صحف مملوءة بالحقد والكراهية، أرادونا أن نكف عن الصراخ، عن الحلم، عن النبض، عن أن نكون، لكننا مضينا، لم نلتفت إلى نباحهم ولا إلى رصاصهم، كنا ندفن شهداءنا ونتقدم، نشيع أحبتنا ونزرع على قبورهم رايات، نرثيهم بأهداب قلوبنا ونواصل المسير، لأن الأرض كانت تنادينا، والتاريخ يطالبنا بالوفاء.

لقد سخروا كل شيء، إعلام حزبي يلوك الأكاذيب ويشكك في الدماء الزكية، استخبارات تبث السموم بين إخوة السلاح، وعلماء يدعون أنهم وكلاء الله على الأرض، يفتون بقتلنا ويحرمون علينا الجنة، فقط لأننا طالبنا بأن نعامل كبشر، أن ينظر إلينا كشعب لا كطائفة ضالة، إلى أن وصل بهم الحقد أن صعد المنبر أحد أزلامهم يدعى محمد الإمام وقال" من يدعونا إلى الانفصال كالذي يدعونا إلى الكفر"، ومعتوه آخر يدعى الحجوري يصدر ضدنا عشرات الفتاوى أبرزها أننا عملاء للخارج واننا نخرج إلى المظاهرات مقابل المال الخارجي .

كان ذلك طبيعيا بالنسبة لنا لأن الفتاوى قد بدأت في حرب 1994م ،ولكن الأمر الموجع حين تسربت كلمات أعدائنا من أفواه إخوتنا،حين ردد بعض الجنوبيين – ممن خدعتهم شعارات الوحدة أو الموت الذين أضلهم إعلام الإخوان او فتاوى سلفيو دماج ومعبر– نفس التهم التي حيكت في غرف الظلام،كبلاطجة، عملاء، إيرانيون... وكأنهم فقدوا القدرة على رؤية الحقيقة من خلف دخان الدعاية، ولم يرددوها فحسب بل كفرونا لإننا ردينا على أزلام نظام عفاش .

واجهنا كل ذلك،مؤسسات إعلامية واسعة، أجهزة أمنية تزرع الشقاق، رجال دين يحكمون علينا بالموت دنيا وآخرة، وأبناء جلدتنا الذين ضلوا الطريق، وجعلوا من ألسنتهم خناجر تطعن القضية من الداخل.

لكننا لم ننحدر،لم نشتم، لم نكفر، لم نغدر،كنا نقاتل الظلمة، وننير الطريق للمخدوعين،وزعنا وقتنا بين جبهتين،جبهة التوعية الداخلية التي تنزع الغشاوة عن الأعين بإن نوضح لهم ان كل ماجاء على دبابة نظام 7يوليو هو باطل ضد شعب الجنوب ، وجبهة المقاومة السياسية والعسكرية التي تحبط مشاريع الطغيان وتتصدى لآلة القمع العفاشية .

هكذا عاش الجنوب بين مطرقة الدين وسندان السياسة، يجلد من هذا ويكفر من ذاك، ولكن، حين تتقاطع العقائد مع الأهواء، وتسخر الفتاوى لخدمة الاستبداد، فلا يبقى للدين طهره، ولا للسياسة منطقها،وتظهر الحقيقية بوضوح للجميع ..

وبرغم كل ذلك، لم تمت الإرادة..فالحروب لاتقاس بالترسانة العسكرية والمال بل بالإرادة، ولو كانت تقاس بالترسانة العسكرية لسلم الشعب الفلسطيني قبل خمسين سنة .
فالحق، وإن أحاطته الشبهات، يبقى مضيئا كجمرة لا تنطفئ.
والشعوب، وإن طال خذلانها، تنهض في النهاية على صوت القلب لا صدى الكذب.

مطلق حسن قايد المعكر
عضوالجمعية الوطنية بالمجلس 
الانتقالي الجنوبي