7 يوليو.. حكاية شعب حول المأساة إلى انتصار (تقرير)

7 يوليو.. حكاية شعب حول المأساة إلى انتصار (تقرير)

7 يوليو.. حكاية شعب حول المأساة إلى انتصار (تقرير)
2025-07-07 23:21:41
صوت المقاومة الجنوبية/تقرير_خاص

 

حلت الذكرى الـ31 ليوم 7 يوليو 1994، اليوم الذي اجتاحت فيه قوات الاحتلال اليمني العاصمة عدن، معلنةً حربًا شاملة لا تستهدف الأرض فقط، بل الوجود الجنوبي برمّته، دولةً وهويةً وإنسانًا. لم تكن تلك الحرب مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل كانت مشروع اجتثاث متكامل الأركان، هدفه القضاء على حلم شعب الجنوب في دولته المستقلة، وتحويل الجنوب إلى تابع بلا قرار.

ودخلت قوات نظام صنعاء إلى الجنوب بقوة السلاح والفتاوى، محمولةً على عربات الإلغاء والتكفير، ومدعومة بمقاتلين متطرفين جُلبوا من أفغانستان تحت راية "الوحدة اليمنية". لم تكن الحرب دفاعًا عن شراكة وطنية، بل عدوانًا مبنيًّا على الطمع والهيمنة، سرعان ما تحوّل إلى احتلال مكتمل الأركان استباح الأرض والثروة والإنسان.

وعلى مدار أشهر، ارتكبت قوات الاحتلال اليمني انتهاكات جسيمة في عدن وحضرموت وأبين ولحج والضالع، لم تفرّق فيها بين مدني ومقاتل، ولا بين طفل وشيخ. سُجلت مئات الانتهاكات من مجازر واعتقالات تعسفية وتسريح جماعي لعشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الجنوبيين. ونهب شامل للمؤسسات العامة ومرافق الدولة، وجرائم طالت حتى المعالم التاريخية والثقافية في الجنوب.

ولم يتوقف العدوان عند حدود المعركة المسلحة، بل تواصل بممارسات ممنهجة تهدف إلى إذابة هوية الجنوب الوطنية، عبر فرض مناهج تعليمية موحدة، وتهميش اللغة والثقافة الجنوبية، والتضييق على الصحافة الحرة، والترويج لفكر أحادي نُسج في صنعاء لفرض واقع سياسي واجتماعي جديد على شعب الجنوب.

وفي كل عام، يعود 7 يوليو ليوقظ جراحًا لم تندمل، وليرسّخ في وجدان الأجيال الجنوبية أن الاحتلال لا يمكن أن يُغتفر، وأن دماء الشهداء التي سالت في عدن والمكلا ولحج وردفان والضالع لن تذهب سُدى، وفي هذا اليوم، يُجدد أبناء الجنوب العهد بأن لا تنازل عن الدولة، ولا تهاون مع الغزاة، ولا نسيان لما حدث في صيف الدم.

وتحوّل السابع من يوليو إلى يوم وطني مقاوم، ففي 2007، خرجت جماهير الجنوب في مظاهرات مليونية تُحيي الذكرى وتطلق شرارة الحراك الجنوبي السلمي، الذي أعاد وهج القضية الجنوبية إلى الواجهة، وكسر حاجز الصمت الدولي، وفرض واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه.

ولم يكن ما يُسمى بـ"البرلمان اليمني" سوى أداة سياسية للاحتلال، شرعن بها عدوانه، ومارس عبرها التهميش بحق الجنوب. ولهذا يُجمع الجنوبيون اليوم، قيادةً وشعبًا، على رفض أي تحركات لهذا الكيان المنتهي الصلاحية، ويعتبرونه من أبرز رموز حقبة الاستعباد التي بدأت في 1994م.

"صمود شعب الجنوب وتشكيل حامل مشروعه الوطني"

وجاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017 بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي كتتويج لمسيرة نضال طويلة، وليكون الممثل الحقيقي لتطلعات الشعب الجنوبي. ومنذ تأسيسه، قاد المجلس معارك سياسية وعسكرية لحماية القضية الجنوبية، ونجح في بناء مؤسسات أمنية وعسكرية حديثة تُعد من أبرز الإنجازات في ظل ظروف الحرب والحصار.

وبعد أن دمرت قوات صنعاء الجيش الجنوبي في 1994م وسرّحت ضباطه وأفراده، استطاع الجنوب أن يعيد بناء قوته العسكرية من الصفر، حتى باتت اليوم قواته الجنوبية نموذجًا للقوة والانضباط، تشكّل درعًا صلبًا للدفاع عن الأرض والهوية والمكتسبات الوطنية.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، لم يرضخ الجنوب، بل تحوّل من ضحية إلى فاعل، ومن مكسور إلى صامد، ومن مُستهدف إلى قوة تحسب لها الأطراف الإقليمية والدولية ألف حساب. وما زال صوته يتردد عاليًا في كل المحافل: لن نقبل إلا بدولة جنوبية مستقلة، ولن نساوم على دماء الشهداء.

وفي الذكرى الـ31 لحرب الاحتلال اليمني، يجدد شعب الجنوب دعوته إلى المجتمعين العربي والدولي بأن "الوحدة اليمنية" قد انتهت يوم اجتياح الجنوب في 1994، وأن الاستمرار في تجاهل القضية الجنوبية هو دعم ضمني لسياسات القمع والاستعباد. ويؤكد الجنوبيون أن السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف بحقهم في تقرير المصير واستعادة دولتهم كاملة السيادة.

ويكتب الجنوبيون في صفحات تاريخهم أن 7 يوليو 1994 لم يكن نهاية، بل بداية لمشروع تحرري طويل، بدأ بالرصاص والدم، وانتقل إلى الساحات والميادين، واليوم يُكتب في مؤسسات الدولة الجنوبية التي تنهض من تحت الركام.. دولة تنتمي للغد، وتحمل ذاكرة لا تموت.

وبرغم كل محاولات الإخضاع، لم تنكسر إرادة شعب الجنوب؛ فقد ولد من ليل المعاناة فجر حركة "المقاومة الشعبية"، بدأت سلمية عبر الاعتصامات والمظاهرات، وكان الانكسار في مايو. والانتصار والانطلاق المنظم في 7/ 7/ 2007، بإعلان الحراك السلمي، وتطورت لاحقًا إلى حراك جنوبي واسع النطاق رفع شعار "استعادة دولة الجنوب"، وهو ما مهد الطريق، لنجاح "المقاومة الجنوبية" في صد وطرد الغزو الشمالي الثاني 2015، ثم تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي يمثل تطلعات الجنوبيين في تقرير مصيرهم واستعادة دولتهم.

"مشروع استعادة دولة الجنوب"

اليوم، وبعد 31 عامًا على اجتياح 7/7، يقف شعب الجنوب على أعتاب مرحلة جديدة. فقد تغيّر المشهد السياسي والعسكري بشكل جذري، ونجحت القوات المسلحة الجنوبية، بفضل تضحيات الشهداء والجرحى، في إفشال مشروع الهيمنة والسيطرة، وقد لعب المجلس الانتقالي الجنوبي دورًا محوريًا في توحيد الصف الجنوبي وبناء مؤسسات سياسية وأمنية تمهد لاستعادة الدولة.

وتمكنت القوات المسلحة الجنوبية، بفضل خبرتها ومهنيتها، من تأمين محافظات الجنوب وطرد عناصر الإرهاب والجماعات المتطرفة، كما شكلت صمّام أمان في معركة الدفاع عن الأرض والكرامة.... أما سياسيًا، بات المجلس الانتقالي ممثلًا شرعيًا لقضية شعب الجنوب في مختلف المحافل، بعد أن فرض حضوره في اتفاق الرياض والمشاورات السياسية، ونجح في إيصال صوت شعب الجنوب إلى المجتمعين الإقليمي والدولي.

إن ذكرى 7 يوليو لم تعد مجرد محطة انكسار في ذاكرة شعب الجنوب، بل تحوّلت إلى منارة تذكّر الجميع بأن ما بُني على القوة لا يدوم، وأن إرادة الشعوب لا تُقهر، فشعب الجنوب اليوم أكثر وعيًا وتنظيمًا وأكثر تمسكًا بحقه في استعادة دولته، بعيدًا عن مشاريع الدمج القسري والهيمنة.

وفي هذه اليوم، يجدد المجلس الانتقالي الجنوبي العهد لشعب الجنوب بأن مشروع الاستقلال ماضٍ، وأن معركة التحرير لم تعد مؤجلة، بل تتقدم بثبات رغم التحديات. كما يدعو شعب الجنوب إلى التكاتف ورص الصفوف من أجل تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة على كامل السيادة والتصدي لكل من يتربص بغية إحداث انقسام جنوبي - جنوبي.

وستظل ذكرى 7/7 محطة مفصلية في تاريخ الجنوب، شاهدة على جريمة غزو ممنهجة، وعلى بداية مشوار طويل من النضال والمقاومة والصمود. ومع كل عام يمر، تترسخ قناعة شعب الجنوب بأن استعادة دولته ليست حلماً، بل استحقاقًا تاريخيًا لا تراجع عنه.
اقرأ المزيد من المجلس الانتقالي الجنوبي.

"إرادة شعب لايقهر"

وسجل التاريخ في مثل هذا اليوم من العام 1994، لحظة أليمة في حياة شعب الجنوب العربي حين سقطت مدينة عدن تحت وقع الرصاص والدبابات لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها التهميش والاستحواذ ويفقد الجنوب سيادته التي دخل بها مشروع الوحدة بحسن نية مع اليمن الشقيق.

لقد كان 7يوليو يوماً مؤلماً ؛ لانه دشن مسار طويل من الاقصاء ومحاولة طمس الهوية الجنوبية، لكن الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي ان ما جرى بعد الحرب لم يكن مجرد خلاف سياسي بل كان تفكيكاً منهجياً لمنظومة اخلاقية وادارية عريقة في الجنوب، لصالح ثقافة قبلية غنيمة لا تؤمن بالشراكة، ولا تعترف بالتعدد ولا تبني دولة.

ولم يعامل الجنوب العربي بعد الحرب كشريك في الوطن بل كفرع يجب اذابته في المركز؛ فاستهدفت مؤسساته واقصيت كوادره وساد منطق المنتصر في كل مفاصل الدولة، وتحولت الوحدة الى وسيلة للاستحواذ وغابت عنها القيم.

الاخطر من السلاح الذي حسم المعركة كان الفساد ، الذي نخر روح الدولة حيث انتشر كممارسة ممنهجة لا بوصفه خلل عارض بل كأداة سيطرة واستخدمت مؤسسات الدولة كوسائل توزيع للمصالح والمنافع، لا كاجهزة خادمة للمواطن وهكذا بدأ مشروع افساد الجنوب لا فقط احتلاله.

وفي التعليم تراجعت القيم لتحل محلها ثقافة الغش والتلقين، وفي الادارة تم تسريح الاف الكفاءات الجنوبية، لا بحجة التطوير بل لافراغ الجنوب من نخبه واحلال الولاءات محل الكفاءة، وعلى المستوى الثقافي اعيد تشكيل المناهج لتشويه ذاكرة الجنوب وتقديم تاريخه الوطني المقاوم كهوامش غير مهمة.

ولم يكن هذا المسار مجرد نتيجة للحرب بل كان انعكاساً لبنية سياسية فاسدة جعلت من الدولة مزرعة خاصة وفتحت الباب امام قوى النفوذ للاستثمار في الانقسامات والنهب باسم الشرعية.

وبعد اكثر من ثلاثة عقود ما زالت اثار 7 يوليو حاضرة في كل تفاصيل الحياة اليومية، في الجنوب العربي الفقر وانهيار الخدمات وضياع الثقة بالمؤسسات، كلها نتائج لفساد متراكم لا لحرب عسكرية فقط وهنا تظهر الحقيقة الجوهرية لا مستقبل للجنوب بدون اجتثاث الفساد، ولا معنى للحرية اذا لم تبن على اسس العدالة والمساءلة.

ان معركة الجنوب العربي لم تعد فقط معركة سياسية؛ بل اخلاقية بامتياز نحن لسنا امام خيار فك الارتباط او البقاء فتلك قد حسمها شعبنا، لكننا امام مسؤولية اعادة بناء الانسان الجنوبي على قاعدة احترام الذات ورفض تكرار نماذج التسلط والفساد، ايا كان مصدرها أو مظهرها.

والجنوب لا يبنى برفع الشعارات بل ببناء مؤسسات نزيهة، وقضاء مستقل ،وتعليم يحترم العقل، واقتصاد يدار بالكفاءة لا بالمحسوبية ان اخطر ما يمكن ان يواجه الجنوب اليوم هو ان يتحول حلم التحرر الى اعادة انتاج للظلم ولكن هذه المرة بايد جنوبية.

لقد علمتنا السنوات ان الشعارات لا تبني اوطانا وان النصر الحقيقي هو النصر على الفساد، على الجهل على الكراهية، فالجنوب الذي نريد هو جنوب يتسع لكل ابنائه ويحاسب كل فاسد ويحترم كل اختلاف

واما من يراهن على النسيان أو يظن ان جراح الشعوب تشفى بالخطابات، فانه لا يفهم ان الشعوب تهزم فقط عندما تستسلم والجنوب لم ولن يستسلم، وفي 7 يوليو 94م نزف الجنوب، لكن في كل يوم بعده قاوم الجنوب بالوعي وبالارادة وبالايمان، بان الكرامة لا تهدى بل تنتزع واليوم نحن امام لحظة صدق اما ان نكمل المسار باخلاق او نعيد انتاج المأساة بثوب جديد.