في لحظة ذات دلالة سياسية وتاريخية، تتجدّد أصوات أبناء الجنوب في الذكرى الحادية والثلاثين لإعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994، ليؤكدوا مجددًا أن خيار الاستقلال ليس مجرد شعار عاطفي، بل مشروع وطني مكتمل الأركان يستند إلى وقائع الماضي وتطلعات الحاضر وحقائق المستقبل.
وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة “X”، حملة رقمية واسعة أطلقها ناشطون وسياسيون جنوبيون تحت وسم #الذكرى_31_لفك_الارتباط، والذي تصدّر التداول مساء الثلاثاء 20 مايو 2025، وحمل في طياته رسائل سياسية مباشرة موجهة للداخل والخارج، مفادها أن الجنوب ماضٍ بثقة نحو استعادة دولته المستقلة على حدود ما قبل 21 مايو 1990.
"الوحدة.. من شراكة إلى حرب فاحتلال"
رأى المشاركون في الحملة أن الحرب التي شنّتها قوات صنعاء على الجنوب في صيف 1994 كانت النقطة الفاصلة التي كشفت زيف وحدة لم تُبنَ على أسس الشراكة والندية، بل تحوّلت إلى مشروع هيمنة قسري انتهك فيها الشماليون كافة المواثيق المتفق عليها عقب إعلان الوحدة عام 1990.
لم تكن تلك الحرب بالنسبة للجنوبيين مجرد معركة عسكرية، بل كانت انقلابًا سياسيًا مكتمل الأركان على مشروع الوحدة، وهو ما دفع القيادة الجنوبية آنذاك إلى إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994، انسجامًا مع مبدأ تقرير المصير الذي يكفله القانون الدولي.
"المجلس الانتقالي.. حامل المشروع الجنوبي"
في خضم هذه الذكرى، جدد الجنوبيون ثقتهم بالمجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، باعتباره حامل المشروع الجنوبي التحرري، والقوة السياسية والعسكرية التي تمثل الإرادة الشعبية
وأكد نشطاء الحملة أن الجنوب اليوم يمتلك مؤسسات سياسية وأمنية وعسكرية تؤهله لمرحلة بناء الدولة، مستندًا إلى قاعدة شعبية واسعة وواقع ميداني ثابت، في وقت يتزايد فيه حضور القضية الجنوبية إقليميًا ودوليًا، بما يعزز فرص تحقيق تطلعاته في نيل الاستقلال.
"إرادة الجنوب.. لا تراجع عنها"
وفي هذا السياق، قال الدكتور صدام عبدالله، مستشار الرئيس الزُبيدي ورئيس قطاع الصحافة والإعلام في المجلس الانتقالي الجنوبي، في تصريح خاص:
“ذكرى فك الارتباط ليست مجرد مناسبة تاريخية نحييها كل عام، بل هي محطة نضالية تؤكد أن إرادة شعب الجنوب التحررية لم تنكسر طوال ثلاثة عقود، الجنوب اليوم يخطو بثقة نحو استعادة دولته كاملة السيادة، بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي وبدعم جماهيري لا مثيل له. لقد ثبت للمجتمعين الإقليمي والدولي أن أي حلول تتجاوز حق شعب الجنوب في تقرير مصيره مصيرها الفشل، فالجنوب قال كلمته منذ زمن وقدم تضحيات جسام من الشهداء والجرحى والمعتقلين. ومن هنا، فإن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا إلا باحترام إرادة هذا الشعب وتمكينه من إعلان دولته المستقلة.”
وأشار الدكتور صدام في معرض حديثه إلى أن استمرار تجاهل القضية الجنوبية هو وصفة للفوضى، داعيًا “نخب الشمال وعقاله إلى إدراك أن لا سلام ولا استقرار ولا تطور في اليمن والمنطقة إلا بحل جذري وعادل للقضية الجنوبية، يبدأ من الاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره دون وصاية”.
الذكرى محطة وعي وتجديد
تأتي الذكرى الـ31 في ظل مشهد سياسي معقد، تتقاطع فيه التطلعات الوطنية الجنوبية مع تحديات إقليمية ودولية، لكن ما يميّز هذه اللحظة – وفق مراقبين – هو تزايد الإدراك بأن مشروع الوحدة لم يعد قابلًا للحياة، في ظل واقع ميداني يحكمه تمايز الهوية، وتاريخ من الحروب والنكوص عن الشراكة.
ويرى كثير من النشطاء أن استذكار إعلان فك الارتباط يجب أن يتحوّل إلى محطة لإعادة إنتاج الوعي السياسي والوطني الجنوبي، وتكثيف الجهود لتثبيت مشروع الدولة الجنوبية القادمة بخطاب عقلاني، يستند إلى القانون الدولي، ويفرض نفسه عبر الحضور الشعبي والسياسي المتماسك.
" التمسك بالمشروع الجنوبي"
أجمع الجنوبيون في الذكرى 31 على أن خيار الاستقلال لا رجعة عنه، وأن كل التضحيات التي قُدِّمت على مدار العقود الثلاثة الماضية كانت في سبيل هدف واضح ومشروع، يتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، وفقًا للحدود المعترف بها دوليًا قبل 1990.
ويبقى التحدي الأكبر اليوم – وفق ناشطين – هو في استثمار الزخم الشعبي والالتفاف حول القيادة الجنوبية، ومواصلة العمل السياسي والإعلامي والدبلوماسي بفعالية، حتى يتحقق حلم الدولة الجنوبية المنشودة.