قبل 9 أعوام من اليوم، كانت مدن ساحل حضرموت ترزح تحت وطأة الإرهاب وكان هزيمة تنظيم القاعدة أشبه بمعجزة مستحيلة.
دقت ساعة الصفر وتحقق النصر في 24 أبريل/نيسان 2016, ونجحت النخبة الحضرمية من تحرير مدن ساحل حضرموت بعد عام و22 يوما من سيطرة تنظيم القاعدة على هذه المدن.
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية" فتح نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، محافظ حضرموت الأسبق، اللواء أحمد سعيد بن بريك كواليس المعركة الخاطفة التي منعت أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم من تشييد منصة لهجماته الخارجية.
نصف عام إعداد
قال بن بريك، إن "تحرير ساحل وعاصمة حضرموت المكلا جرى بإشراف قيادة التحالف العربي ممثلا بالسعودية ودولة الإمارات والذي كان لهما الفضل في إعداد الخطط والتدريبات والتجهيزات لمدة 6 شهور متواصلة من أجل تحريرها من براثن القاعدة".
الجميع كان يتبع "خططا محكمة من إعداد المعسكرات وتجهيز المدربين والجنود وكان الإعداد للمعركة يجري على أكثر من سيناريو"، وفق بن بريك الذي أوضح أنه "عندما تم تعييني محافظا لحضرموت مكثت مع الأخوة الضباط الإماراتيين مدة حوالي 3 شهور لإعداد الخطط والسيناريوهات الممكنة وفقا لسيكولوجيات وعادات وتقاليد أبناء المحافظة".
وكشف اللواء بن بريك أن "الجماعات المارقة كالقاعدة وداعش التي احتلت ساحل حضرموت وسيطرت على المعسكرات كان بتواطؤ من مليشيات الحوثي بما في ذلك مهاجمة البنك المركزي واختلاس وسرقة أكثر من 3 مليار ريال وكمية من العملات الصعبة".
ويشير إلى تنفيذ تنظيم القاعدة سلسلة من "عمليات الاغتيالات التي تمت لكثير من الشرفاء من الجيش والأمن والمخابرات، إذ "كنا نتحمل تلك الخسائر بمعدل أسبوعي وسقط شهداء عدة منهم الشهيد عمر بارشيد الذي تم اغتياله وهو في كورنيش الخور، ناهيك عن ضباط وعسكريين في الداخلية والدفاع والأمن السياسي".
وأكد أن تنظيم القاعدة هدف من خلال الاغتيالات "بث الرعب أوساط أبناء شعبنا ناهيك عن اعتماد التنظيم سلوك حكم الغاب في فرض الأحكام المتخلفة حتى اعتقد المواطنون الشرفاء استحالة هزيمة التنظيم الإرهابي".
أدوار قبلية
ولم يغفل بن بريك الحديث عن دور القبائل في هزيمة تنظيم القاعدة، وقال إن "الإخواة الإماراتيين اشتركوا مع قادة ومشايخ قبائل وكانوا على رأس الحملات التي اقتحمنا فيها ساحل حضرموت":
وأشار إلى الدور الذي قام به الشيخ عمرو بن حبريش في الاشتراك مع النخبة الحضرمية بشكل فعال وحشد قبلي عبر محور مطار الريان.
ولفت إلى "توزيع اتجاهات المعركة وانخراط قادة الألوية الذي تم تعيينهم حديثا وهم يحملون مؤهلات عالية"، مشيرا إلى أنه أهّل خلال عمله كملحق عسكري حوالي "ستة من الضباط الحضرميين وأصبحوا قادة لألوية النخبة الحضرمية".
وأكد أن "كل القادة المتواجدين كان يمتلكون دراسات عليا في القيادة والأركان وأن الإعداد للمعركة تضمن أن تسبقها ضربات جوية لمدة 45 دقيقة تستهدف المعسكرات التي تشمل تواجد عناصر تنظيم القاعدة وحوالي نص ساعة يتم الاقتحام من 4 اتجاهات".
كما تضمنت محاور القتال "توجه القوات عبر 4 محاور ونقاط اللقاء وهي مطار الريان ،ميناء الضبة، ميناء المكلا، والقصر الرئاسي في المكلا".
ولاحقا "تم التعاون مع الشباب والمقاومة المتواجدة على الأرض للتعرف على أماكن ومخابئ القاعدة وكان للمواطنين والمقاومة دور فعال في هذا الأمر وفي إسناد قوات النخبة الحضرمية".
غطاء رسمي
ووفق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن "تشكيل قوات النخبة جرى بطريقة شرعية وقانونية بإشرافنا نحن، وتم إصدار قرارات رئاسية بتشكيل عدة ألوية منها لواء الأحقاف، لواء الدفاع الساحلي، الشرطة العسكرية".
واستهدفت "القرارات الجمهورية إيجاد صفة رسمية للقوات وليس كما تدعي القوة المعادية أن القوات الجنوبية مجرد مليشيات شكلت بدون غطاء رسمي".
وأوضح أنه خلال الاقتحام واجهت النخبة الحضرمية مقاومة شرسة من قبل عناصر القاعدة في عدة نقاط من ضمنها ثكنة في منطقة العيون وصدام تم بشكل شرس ومباشر".
وكشف بن بريك عن إحباط النخبة الحضرمية عبر أحد الشباب محاولة اغتيال لتنظيم القاعدة استهدفت "إخواننا الضباط الإماراتيين وقائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء فرج البحسني".
وأشار إلى أن "جنديا شابا قام باعتراض العملية الانتحارية عبر آلية كان يقودها وذلك أمام السيارة التي كانت تحمل متفجرات", لافتا إلى أنه بصدد تكريم هذا الجندي الذي بترت يداه وذلك نيابة عن القيادة العسكرية للنخبة الحضرمية".
وأضاف أن "معركة تحرير الساحل كانت أسطورية وخاطفة وأخذت بعين الاعتبار التعبئة الشعبية لحضرموت في احتضان النخبة واحتضان إخوانهم الإماراتيين واستقبالهم وكان يوم رائعا ذلك اليوم هو 24 أبريل/نيسان 2016".
تطبيع الحياة
وأكد اللواء أحمد سعيد بن بريك أنه عقب التحرير أعد مع المكتب التنفيذي خطة لتطبيع الحياة الطبيعية مسبقا داخل المكلا وداخل المديريات المحررة وكانت بمثابة خارطة طريق للعمل في المحافظة.
وأوضح أنه فور عملية التحرير "جلسنا مع المكتب التنفيذي وحددنا اتجاهات العمل على أساس أن يكون في حالة انعقاد دائم وفي مكاتبنا من أجل مزاولة العمل وكان رد 90% من المدراء أن مكاتبهم دُمرت لكن، أمرتهم باستئجار أماكن للعمل بما في ذلك مكتب وزارة الصحة ووزارة العمل وتم خدمة المواطنين والعمل خلال 48 ساعة".
وأشار إلى أن "الاتجاه الثاني شمل تأمين الخدمات، تأمين المياه، تأمين الكهرباء، تأمين التعليم، وتأمين النظافة، للأحياء والمدن في ساحل حضرموت وفقا للخطة التي أعددناها مسبقا".
ولفت إلى أنه تم تأمين تشغيل واستقرار الكهرباء بعد 3 أيام ولاحقا وقعنا "اتفاقيات لتأمين كهرباء لكل حضرموت ساحلا ووادي، بما يصل من 110 إلى 120 ميغاوات وكان نصيب المكلا 50 ميغا و10 ميغا في فوه و10 ميغا للشحر و6 ميغا للديس الشرقية و20 ميغا لسيؤون".
وأكد أن الكهرباء كانت مستقرة "من 8 ساعات إلى حوالي 14 ساعة ووصلت ساعات الكهرباء في حضرموت إلى 18 ساعة في اليوم وكان هذا المعدل الطبيعي في الأيام العادية لحضرموت قبل احتلال القاعدة وقبل أزمة الكهرباء".
تحسين الكهرباء "جرى عقب اتخاذنا مجموعة من القوانين من ضمنها أن نعطي فرصة لاستيراد حر للمشتقات النفطية مقابل 10% من كل تاجر يخصصها للكهرباء بدون عوائق وقد حصلنا فائضا في النفط ودعمنا به محافظة شبوة ومحافظة عدن، منها تأمين 50 مقطورة في يوم واحد".
وضمن تطبيع الحياة، اتجه بن بريك لتنشيط "الجانب الشبابي والرياضي وتحسين ميادين كرة القدم من خلال تجهيز الملاعب وتنشيط الفرق الرياضية".
وعلى مستوى التعليم "دفعنا بتطوير عملية التعليم بعد أن اكتشفنا أن معلما واحدا يقوم بتغطية 4 مواد فقمنا بالاتصال بالغرفة التجارية والاجتماع وطلبنا تشكيل صندوق خاص للتعليم ووظفنا أكثر من 7200 معلم ومعلمة من خريجي كلية التربية في جميع المواد وغطينا النقص في كل المديريات".
كما استكملنا بناء 27 مدرسة في كل مديريات الساحل والوادي والتعاقد مع المعلمين، إضافة إلى تنشيط الميناء، بعد خفض الضرائب "وكانت حركة الميناء وحركة التجارة وحركة بيع العقار في أعلى مستوياتها في حضرموت".
دور إماراتي فاعل
وأرجع اللواء أحمد سعيد الفضل في "تحرير حضرموت وتطبيع الحياة لقيادات دولة الإمارات التي قامت بإعداد وتجهيز قوات النخبة على طرق مكافحة الإرهاب ومداهمته ومراقبته ورصد تحركاته".
كما يعود "الفضل إلى شجاعة وقدرة ضباط وصف ضباط وجنود النخبة الحضرمية والتدريب الإماراتي الذي يفوق ما يتصوره الناس".
وأكد أنه "بعد التحرير، زار حضرموت وفود من عدة دول وخبراء إعلاميين واستخباراتيين من بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا من أجل الاطلاع على التجربة وسجلوا إعجابهم بحالة الأمن والاستقرار".
كما أجرينا مقابلات في "صحف ووسائل إعلام بريطانية وغربية أوروبية لدحض روايات المشككين وأعداء النصر الذين كانوا يدعون أنه تمت صفقة مع القاعدة".
وأضاف مخاطبا المشككين: "نقول لهم لا صفقة تتم مع إرهابيين وأن المعركة أذهلت العالم إثر السرعة الخاطفة في استئصال بؤر الإرهاب بتكتيك عسكري جديد وضربات موجعة تمت بأقل الخسائر الممكنة من أبناء حضرموت وأبناء الجنوب بشكل عام ومن أشقائنا الإخوة الإماراتيين".
وأكد بن بريك أن "حضرموت اليوم في أمان طالما بأيدي قيادات محنكة وواعية تدرك المخاطر التي تواجهها"، مشيرا إلى أن الاختلاف سمة للتعايش و"نحن نختلف لكننا موحدون ضد العدو، نختلف لكننا نخدم حضرموت وشعبها ولا قلق من أي مشاكل".