منذ إعلان الوحدة الاندماجية عام 1990م بين الجمهوريتين دخل الشعب الجنوبي مرحلة صدمة لم يصحُ منها حتى اليوم كانت الوحدة غير عادلة من الأساس حيث تم إدماج الجنوب في نظام صنعاء دون ضمانات حقيقية لمشاركة عادلة في الحكم والثروة مما أدى إلى تهميش الجنوبيين سياسياً واقتصادياً استمر هذا الوضع حتى اندلاع حرب 1994م حيث تم استخدام القوة العسكرية لإحكام السيطرة على الجنوب مما عزز مشاعر الإحباط والخذلان بين أبنائه.
لم يتغير المشهد إلا بعد اندلاع الحرب في 2015م حيث أدت المواجهات العسكرية إلى تحرير عدن من الهيمنة الشمالية الحوثية والحزبية مما منح الجنوبيين مساحة للتنفس بعد عقود من القمع. ومع ذلك لم يكن هذا التحرير سوى بداية لمعركة جديدة، حيث بدأ الجنوب في إعادة بناء ذاته سياسياً وعسكرياً، وسط تحديات كبرى داخلية وخارجية.
ومع تصاعد الوعي الجنوبي بضرورة تنظيم العمل السياسي تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي يحمل تطلعات الشعب الجنوبي في استعادة دولته وهويته. حصل المجلس على تفويض شعبي جعله الممثل الأساسي للقضية الجنوبية وأصبح القوة الوحيدة القادرة على مواجهة أنظمة صنعاء وأحزابها. لكن الطريق لم يكن ممهد بالورود فقد ورث المجلس أرض مشبعة بفكر الدولة اليمنية، مما جعل مهمته أكثر تعقيد في تفكيك هذا الإرث السياسي والإداري.
اليوم يواجه المجلس الانتقالي الجنوبي حرب من نوع مختلف ليست عسكرية فقط وإنما اقتصادية حيث يتم استخدام الورقة الاقتصادية لإضعاف الجنوب من الداخل. افتعال الأزمات المعيشية وقطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وانهيار العملة كلها أدوات تستخدم لإسقاط آخر أوراق القوة الجنوبية وهي الحاضنة الشعبية. الهدف من هذه الحرب ليس فقط إنهاك المواطن الجنوبي بل أيضًا إشعال الفتنة بينه وبين المجلس الانتقالي مستغلين شراكة المجلس الانتقالي في الحكومة مما يسهل تفكيك الموقف الجنوبي الموحد باختلاق الأزمات
هنا تكمن المعضلة الكبرى: كيف يمكن للمجلس الانتقالي الحفاظ على ثقة الشعب وسط هذه الظروف الاقتصادية القاسية؟ الشعب الجنوبي ضحى بكل شيء لاستعادة أرضه وهويته، لكنه اليوم يجد نفسه في مواجهة معاناة معيشية تضعه أمام خيارين أحلاهما مر: إما التخلي عن قضيته مقابل تحسين الخدمات أو الاستمرار في النضال رغم الألم
من هذا المنطلق، يقع على عاتق المجلس الانتقالي مسؤولية اتخاذ موقف حازم تجاه المسؤولين العابثين ووقف عبثهم بمعيشة الشعب. فلا يمكن السماح باستخدام الاقتصاد كسلاح لتركيع الجنوبيين وإجبارهم على التخلي عن هدفهم الأسمى. وفي الوقت ذاته يتوجب على الشعب الجنوبي أن يكون واعيًا أثناء مطالبته بحقوقه، وألا يسمح للمندسين والمخربين باستغلال معاناته لإثارة الفوضى.
المجلس لديه التزامات محلية ودولية، لكنه في النهاية جزء من هذا الشعب، ويجب أن يظل إلى جانبه في كل الظروف. فالحالة الاقتصادية الحالية لم تخلق عبثاً، بل هي محاولة لإجبار الجنوبيين على الاختيار بين وطنهم وخدماتهم وهو خيار غير مقبول بعد كل التضحيات التي قدمت.
في النهاية المعركة لم تنتهي بعد وستبقى القضية الجنوبية في قلب المشهد مهما حاولت القوى الأخرى حرف بوصلة الجنوبيين عن هدفهم الأساسي.وسيظل المجلس الانتقالي الجنوبي رغم كل ما يحدث شوكة في خاصرة القوى المعادية للجنوب والحفاظ عليه واجب وطني
صهيب ناصر الحميري